مما لا شك فيه أن العالم بعد كورونا لن يكون كما كان من قبل من حيث المفاهيم الإنسانية المرتبطة بالإدارة والتدريب والتنمية البشرية وبناء القدرات؛ إذ إن هناك الكثير من القضايا التي تتطلب التفكير فيها في ظل المتغيرات التي تجري في العالم اليوم جراء هذه الجائحة التي لم تحدد مسارها النهائي بعد؛ فقد تسببت الجائحة في فرض قيود على الحركة الاقتصادية والتجارية داخل حدود الدول وخارجها، مع توقف شبه كامل عن الإنتاج الأمر الذي كانت له تداعيات بيّنة على علاقات العمل وآليات التواصل وطرق الإنجاز؛ مما دفع العديد من الدول إلى البحث عن بدائل لاستمرار النشاط عن طريق انتهاج أسلوب العمل عن بعد الذي يعتمد على المعرفة الرقمية، وتقاطعَ هذا الأمر مع التداعيات التي فرضتها الثورة المعلوماتية على بيئة العمل إذ أحدثت تغييرا واضحاً في مفاهيم العمل التقليدية من خلال توسيع نطاق المحتوى الرقمي في جميع المجالات، وبالتالي ظهرت العديد من التساؤلات ومن أهمها: هل المنطقة مؤهلة للتعامل مع هذه المعطيات والتغيرات؟! وفي هذا الشأن أجمعت الجهات المختلفة على تأهيل الموظفين وتدريبهم للقدرة على التعامل مع هذه المشكلة وتخطيها بنجاح، وبالتالي أصبح التدريب خيارا استراتيجيا لأي جهة تتطلع إلى إعداد كوادر بشرية قادرة على تلبية احتياجات سوق العمل، والتواؤم مع التغيرات السريعة التي تحدث في مجالات العمل في مرحلة ما بعد كوفيد 19. ولمواكبة التدريب أثناء الخدمة أهميةٌ كبرى نظراً لما يهيئه التدريب للموظف من معارف جديدة يدركها ومهارات متنوعة يكتسبها؛ حيث إن مستقبل العديد من الوظائف مقبل على النموذج الجديد من العمل عن بعد، مع النظر في إمكانية تحويل بعض الوظائف رقمياً بشكل كليّ والتركيز على الوظائف الإبداعية متعددة المهارات.
هذه التطورات المثيرة تدفع إلى التفكير في مستقبل العمل برمته، ولا غرو فالتدريب يعمل على تنمية آفاق السلوكيات الإدارية المرنة وتطويرها وتوسيعها، كما يساعد على التفكير المنظم وحل المشكلات المختلفة التي يواجهها الموظف أثناء ممارسته مهنتَه، وعلاوة على ذلك يمكّن الموظف من القدرة على التأقلم مع متغيرات سوق العمل وظروفه الجديدة، واكتشاف المهارات الكامنة عنده من ابتكار حلولٍ لمشاكل ما، أو القدرة على التواصل الفعّال وإقامة علاقات ناجحة، مع تحفيز الموظفين واستثمار قدراتهم بما يعود بالنفع على جميع أطرف المؤسسة والمجتمع كافة.
كما يزيد التدريب الأمثل معدلَ الدخل الشهري والسنوي سواء للدولة أو الشركة أو الفرد، بل يفتح آفاقا واسعة للعمل ولحياة أفضل، وهذا ما يتجلى بشكل واضح في السياسة التي اتبعتها معظم الدول الناجحة والمؤسسات الواعية، إذ أدركت الدول المتقدمة أهمية الاستثمار الحقيقي في مواردها البشرية، وتأتي في مصاف هذه الدول بل في مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة؛ إذ إن دولة الإمارات اعتمدت- بفضل توجيهات القيادة الرشيدة- الكثير من الخطط التدريبية والسيناريوهات التنموية التي تحقق تطورا بالإمكانات البشرية في الوقت الذي واجهت دول كثيرة صعوبات بالغة أدت إلى عرقلة مسيرة التدريب أثناء الجائحة وبعدها، وفي ظل الاعتماد على الأتمتة والذكاء الاصطناعي يمكن رفع الإنتاجية وتعزيز النموّ الاقتصادي، وفي المقابل اضطر الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم إلى تغيير وظائفهم، بل كان بعضهم معرضا لفقدانها إن لم يعمل بجدية على رفع مستوى مهاراته؛ كي يتمكن من مواكبة تلك التغيرات الرقمية، ومن هذا المنطلق بادر مركز التعليم المستمر والتطوير في الجامعة القاسمية بتنظيم الملتقى التدريبي الأول بعنوان : "استشراف مستقبل التدريب بعد جائحة كورونا (كوفيد 19) – الفرص والتحديات" من أجل إلقاء الضوء على التحديات والفرص التي تواجه نظم التدريب بعد تلك الجائحة، والخطط والاستراتيجيات المقترحة لاستشراف أطر رؤية التدريب بعد الجائحة .