القرآن الكريم كتاب الله الخالد، ومعجزته الباقية، ولعظمته وأهميته في حياة المسلمين أقبلت عليه ألسُنهم تلاوة وأداء، وأيديهم تدويناً وكتابة، وعقولُهم تدبُّراً وفهماً، يبينون أسراره، ويستخرجون كنوزه، فتغلغل في وجدان كل مسلم، وأصبح مصدر الحضارة والعلوم والمعارف، وتداخلت مسائله العلميَّة والفنيَّة عبر مسيرة البحث القرآنيِّ المعتني بكل ما يتعلق بالكتاب العزيز، حيث ظهرت بصور متفاوتة في العصور المختلفة، محققةً وعد ربنا تبارك وتعالى في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ } [الحجر: 9].
ومن التجليات البارزة لعناية المسلمين بالقرآن الكريم ذلكم الاهتمام الكبير الذي أولوه القراءاتِ القرآنيةَ في مختلف العصور، وهي أهلٌ لكل اهتمام وعناية؛ لأنها من أجلِّ العلوم الشرعية، وأوثقها ارتباطاً بكلام الله تعالى، وقد بدأ الاهتمام بها في زمن النبوة، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة تبين أهميتها، وتقرر أنها أنزلت بأمر الله - تعالى - لحكم عظيمة؛ أجلُّها: التيسير على الأمة، وبيان عظمة هذا الكتاب وإعجازه، ومعلوم أن الاختلاف فيها اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وأداؤها لا مجال فيه لإعمال الرأي والاجتهاد، بل لا بد فيه من المشافهة والتلقي بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنك - مع ذلك - ترى للقراءات إمداداً متجدداً للعلوم الأخرى؛ كعلم التفسير، وعلوم اللغة، والتاريخ، والأحكام، وغيرها، كما نلحظ تجدداً وتطوراً في الأساليب والطرق التي يتم من خلالها التعامل مع القراءات القرآنية؛ ففي عصرنا الحاضر دخلت التقنية ووسائل الإعلام المختلفة هذا المجال بقوة؛ مما يفرض تحدياً أمام العلماء لضبط عمليات الإقراء، وضمان تحرير القراءات تحريراً سليماً يلتزم بالمصطلحات المعروفة في هذا الفن، ومن ذلك ضرورة الالتزام بالقراءة بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولأهمية القراءات القرآنية وقداستها تجلَّى الاهتمام بها في كثير من المظاهر، فقديماً سخَّر الله لها علماء ومشايخ نذروا وقتهم وجهدهم لتعليمها، فألَّفوا المؤلَّفات، ونظَموا المنظومات، وضبطوا ما يلزم من المصطلحات، وحديثاً أنشئت لها المراكز والمعاهد والكليات، والمجامع العلمية ودور الطباعة والمسابقات، ولما كان علم القراءات القرآنية بهذه السمات، رأت الجامعة القاسميَّة أهمية اجتماع المتخصصين والمهتمين بعلم القراءات القرآنية في مؤتمر علميٍّ دوليٍّ؛ ليتسنى لهم مناقشة كل ما يتعلق بها، نظراً في ماضيها ونشأتها، مروراً بتأريخها عبر العصور، وصولاً إلى دراسة واقعها، واستشراف مستقبل تعلُّمها وتعليمها في ظل الرَّقمنة والانفتاح الإعلامي.
والجامعة، إذ تنظِّم هذا المؤتمر العلمي الدولي المتخصص، تتطلع لمشاركة الجامعات والكليات والمؤسسات والأفراد المهتمين بخدمة القرآن الكريم وقراءاته.